1.0 مقدمه:
معنى القاعدة:
هذه القاعدة من القواعد الكبرى الهامة وهى تفيد أن العادة تعتبر
مرجعًا للحكم عند النزاع لإثبات حكم شرعى لم يقم دليل ينص على العمل بموجبه، لأنها
دليل يبنى عليه الحكم الشرعى.
ومن المعلوم أن النص أقوى من العادة والعرف ، ولا شبهة فى ذلك، حتى
النص الذى يصدر من الناس، فلو أن شخصًا وضع الطعام أمام الضيف بحكم العرف والعادة
التى تتضمن الإذن له بتناول الطعام، إلا أن صاحب البيت منع الضيف من تناول الطعام
بأن يكون قد صدر منه نص بخلاف العرف والعادة، فعلى الضيف أن يعمل بحكم النص،
ويمتنع عن الطعام، ولا يعمل بالعرف والعادة، فإذا أكل يكون مخالفًا للنص فيضمن.
والمراد: أن تكون العادة مطردة أو غالبة فى جميع البلدان، أو فى
بعضها، فالاضطرار والغلبة شرط لاعتبارها سواء كانت عامة أو خاصة. وقد اعتبر
الفقهاء العادة فى استعمالاتهم، والمجتهد فى استنباط الأحكام، والقاضى فيما يرفع
إليه من الدعاوى إذا ما أصبحت العادة معهودة وجارية بين الناس، لأن العادة مأجوذة
من المعاودة بمعنى التكرار فهى بتكرارها ومعاودتها مرة بعد أخرى صارت معروفة
مستقرة فى النفوس والعقول، متلقاة بالقبول.
وبناء على ما تقوم، فإن الأمر
الجارى صدفة مرة أو مرتين لا يعد عادة، ولا يبنى عليه حكم شرعى، وذلك كالإرهاب
والزلزال وإن تكرر الواحد منهما مرتين أو أكثر. (عبد العزيز عزام 2005: 172)
2.0 الفرق بين العرف
والعادة:
العرف والعادة بمعنى واحد، فهما لفظان مترادفان لأن العرف هو ما استقر
عليه الناس فى عاداتهم وأعرافهم وتلقته الطبائع بالقبول (معجم الوجيز: 163) إلا أن
العادة أعم من العرف، لأن العرف لا يكون إلا فيما تعارفه الناس جميعًا وهو العرف
العام، ويكون فيما تعارفه أهل بلد بعينها، وهو العرف الخاص. أما العادة: فتطلق على
ما تعود عليه المسلمون، وعلى ما تعود عليه أهل بلد بعينها وأهل قبيلة بعينها،
وتطلق أيضًا على ما تعود عليه شخص بعينه ومنه عادة المرأة فى حيضها ونفاسها. (عبد
العزيز عزام 2005: 172-173)
3.0 أصل هذه القاعدة:
1)
دليل
الكتاب:
ذكر صاحب المواهب السنية أنه يمكن الاستدلال على اعتبار العادة بقوله
تعالى: (النساء
3: 115)
ووجد الاستدلال بالآية: أن السبيل معناه: الطريق، فيكون سبيل المؤمنين
طريقتهم التى استحسنوها، وقد أوعد الله بالعقاب من اتبع غير سبيلهم فدل على أن
اتباع سبيل المؤمنين واجب (عبد العزيز عزام 2005: 173) ، فتكون العادة محكمة فيجب
العمل. ولا ينافى هذا أن تكون الآية دليلا على حجية الإجماع كما هو مشهور عن
الإمام الشافعى رضى الله عنه. (عبد العزيز عزام. 2001: 184)
فأرجع سبحانه كل هذه المعاملات إلى العرف
المعروف بين الناس. كما قوله تعالى: (البقرة 2: 233)
قوله تعالى: (الاعراف
7: 199)
2)
دليل
السنة:
وذكرت جميع كتب الأشباه والنظائر أن أساس هذه القاعدة، هو قول ابن
مسعود رضى الله عنه: (( ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون
قبيحًا فهو عند الله قبيح )).
وهذا الحديث معناه صحيح، والكلام فى السند. (عبد العزيز عزام 2001:
184) قال العلائى: هذا الحديث لم أجده مرفوعًا فى شىء من كتب الحديث أصلاً، ولا
بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف، وإنما هو من قول ابن مسعود موقوفًا عليه. ومع
هذا فالحديث معناه صحيح ويدل على المطلوب سواء روى مرفوعًا إلى النبى صلى الله
عليه وسلم أو موقوفًا على ابن مسعود رضى الله عنه، لأن سياق الحديث يوحى أن المراد
بالمسلمين الصحابة وأئمة السلف والخلف من أهل الحَلِّ والعقد والغيرة على الإسلام
والمسلمين. (عبد العزيز عزام 2005: 173)
وهذا ما يفهم من كلام الآمدى وابن حزم، والشاطبى فى الاعتصام حيث
يقول: (( إن المسلمين صيغة عموم واللام للاستغراق الذى يدل على إجماع أهل الحل
والعقد، وما رآه أهل الإجماع حسنًا، فهو عند الله حسن، ويكون بهذا المعنى حجة.
وبذلك تتضح دلالة الحديث على اعتبار العادة فى التشريع )).
وأما من السنة ففي الحديث الصحيح أن هند زوجة أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه قالت: يا رسول! إن أبا سفيان رجل شحيح، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:
(( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)). فقيد الأخذ من مال الزوج بالمعروف.
3)
دليل
الإجماع:
وقد أجمع أهل العلم على أن العادة محكمة فى الأمور الى تتكرر عادة،
لأنها وليدة الحاجة والمصلحة التى لا تتعارض مع النصوص الشرعية ومقاصدها العامة.
(عبد العزيز عزام 2005: 174) فقد تعارف الناس فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم
أمورًا تتعلق بشؤون الحياة، فلم يحرمها النبى أو ينهى عنها فدل على جوازها. (عبد
العزيز عزام 2001: 185) فكانت العادة مستندًا ودليلاً يحكم فى الوقائع والتصرفات
المستحدثة فى كل زمان ومكان.
4.0 شروط العمل بالقاعدة:
اشترط العلماء للعمل بقاعدة العادة محكمة شروط وهى:
4.1-
أن
تكون العادة مطردة أو غالبة: بأن تكون عادة أهل البلدان أو بعضهم، فالاطراد
والغلبة شرط لاعتبارها سواء كانت عامة أو خاصة، فإن اضطربت العادة من شخص لآخر فلا
تعتبر فلو أن رجلاً باع شيئًا بعشرة وسكت، فإن هذه العشرة تعتبر فيها عادة أهل
البلد من التعامل بالجنيه أو الدولار مثلاً، فإن كان لهذا البلد أكثر من عملة
فيلزم تعيين النقد حينئذ وذلك نظرًا لاضطراب عادة أهل البلد فى التعامل.
4.2-
أن
تكون العادة مقارنة للتصرف أو سابقة عليه: فالعادة المعتبرة التى تُحَكم هى العادة
المقارنة وقت إنشاء التصرف أو السابقة عليه إذا لم يتغير العمل بها، ومن أجل ذلك
قال السيوطى وابن نجيم: العرف الذى تحمل عليه الألفاظ هو المقارن أو السابق دون
المتأخر.
وبناء عليه فالعادة المتأخرة عن التصرف لا عبرة بها فى إثبات الحكم
فمثلاً لو وقف رجل وقفية على أن ينظر فيها قاضى شافعى، فإنه لا ينظر فيها إلا قاضى
شافعى حتى ولو تغير ذلك فيما بعد إذ لا عبرة بالعرف الذى يطرأ بعد إنشاء التصرف
كما لا عبرة بالعرف الذى انقضى قبل إنشاء التصرف وحل محله عرف جديد. وأنما يراعى
العرف القائم وقت إنشاء التصرف، لأنه هو الذى انصرفت إليه إرادة صاحب التصرف.
وتأسيسًا على هذا الشرط، فلو أن عرفًا كان قائمًا فى بلد ((ما)) وكان
هذا العرف يقضى بأن تأثيث بيت الزوجية على الزوجة، ثم تغير هذا العرف وأصبح
التأثيث على الزوج، وحدث إن تزوج رجل بامرأة بعد قيام العرف الجديد وحصل بينهما
نزاع حول تأثيث منزل الزوجية، فإنه لا عبرة بالعرف الذى انقضى قبل العقد، وإنما
العبرة بالذى هو موجود أثناء العقد. ولهذا فإنه يجب أن تفسر وثائق العقود من أنكحة
وأوقاف ووصايا وبيوع وهبات وإجارات وغيرها من العقود على الأعراف التى كانت قائمة إنشاء
هذه التصرفات والعقود.
4.3-
ألا
تتعارض العادة مع نص شرعى أو غير شرعى، فإذا كان ما تعارف عليه الناس مخالفًا لنص
شرعى أو غير شرعى فإنه لا عبرة به لأنه لا عمل بالعرف والعادة إلا فى المسائل التى
لا نص فيها، فإذا كان فى المسألة نص من كتاب أو سنة عمل بالنص وترك العمل بالعرف
والعادة، لأن النص أقوى، فاللجوء إلى العرف والعادة إنما يكون عند عدم النص،
وانعدام ما يفيد غرض المتعاقدين صراحة، فإذا علم المقصود صراحة فلا حاجة للعرف
والعادة. (عبد العزيز عزام 2005: 175)
4.4-
أن
لا يوجد قول أو عمل يفيد عكس مضمونه، كما إذا كان العرف في السوق تقسيط الثمن
واتفق العاقدان صراحة على الأداء، أو كان العرف أن مصاريف التصدير على المشتري،
واتفقا على أن تكون على البائع، أو كان العرف أن مصاريف تسجيل العقار في الطابو
على المشتري، واتفق الطرفان على جعلها على البائع. والقاعدة هنا (( ما يثبت بالمعرف
بدون ذكر، لا إذا نص على خلافه )). (عبد الكريم زيدان 1996: 257)
5.0 فروع القاعدة:
لهذه القاعدة فروع لا تعد لكثرتها وتعسر الإحاطة بها ويتفرع عليها
قواعد كثيرة وهى تدور حول اعتبار العرف والعادة حكمًا أو مناطًا للأحكم، ومن أهم
هذه أهم هذه الفروع ما يلى:
الفرع الأول: سن الحيض.
ذكر الفقهاء أن أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين بالشهور العربية
والشهور العربية هى الشهور القمرية، وثبت ذلك بالاستقراء على عادات النساء
والمعتبر فى الاستقراء التقريب لا التحديد، لأن الاستقراء الكامل مستحيل، والحكم
ببلوغ السن الذى تحيض فيه المرأة بناءً على الاستقراء نتيجته ظنية حيث بالاستقراء
الناقص، والأخذ بالظن رحمة الله بعباده، وهو من أسباب اختلاف الفقهاء فى العديد من
مسائل الفقه وحيث لم يرد فى ذلك ضابط فى الشرع، وإنما عرف بالاستقراء لعادات
النساء، فتكون العادة محكمة، لأن ما لم يرد له ضابط فى الشرع ولا فى اللغة يتبع فيه
عرف الناس وعادتهم.
وأقل الحيض زمنًأ يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يومًا بلياليها وإن لم
تتصل الدماء، وأوسطه سبعة أيام. وأقل الطهر بين الحيضتين زمنًا خمسة عشر يومًا،
وذلك لأن الشهر حيض وطهر، وإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر يومًأ لزم أن يكون أقل
الطهر تمام الشهر بعد الحيض، ولا حد لأكثره لأن من النساء من لا تحيض فى عمرها إلا
مرة واحدة أو تحيض فى كل سنة يومًا وليلة، كما وجد من النساء من لا تحيض أصلاً.
(عبد العزيز عزام 2005: 176)
الفرع الثانى: البلوغ.
سن البلوغ ليس له تحديد فى الشرع وإنما مرجعه العرف حيث جرت العادة
بأن الغلام إذا احتلم يحكم ببلوغه، وإذا لم يحتلم فلا يحكم ببلوغه حتى يتم خمس
عشرة سنة وهذا مبناه على العرف والعادة الجارية وعليه فالعادة محكمة. ويقضى ببلوغ
البنت بنزول دم الحيض أو بالاحتلام أو ببلوغها السن المذكور نزولاً على حكم
العادة. وكذلك ثبوت العقل فى التكليف، فإنه يعرف إذا بلغ الشخص وكانت تصرفاته على
المعتاد من العقلاء، فيعد عاقلاً، فيعد عاقلاً، وإلا بأن بلغ وخالفت تصرفاته
المعروف بين العقلاء، فلا يعد عاقلاً ولا يكون مكالفًا. (عبد العزيز عزام 2005: 176-177)
الفرع الثالث: الأفعال المنافية للصلاة.
الأفعال فى الصلاة إما أن يكون ما يفعله المصلى من جنس من الصلاة
كزيادة ركوع أو سجود أو نقص ذلك، أو يكون ما بفعله شيئا غير الصلاة كالكلام
والحركة والضرب وخلافه، فإن كان ما المصلى شيئًا من الصلاة، فإن كان عمدًا تبطل به
الصلاة وإن كان سهوًا لا تبطل به الصلاة. فإن كان فعله فى الصلاة شيئًا خارجًا عن
الصلاة كالحركة والمشى والضرب فالقليل منه لا يبطل والكثير منه مبطل لها وحد القلة
والكثرة مرجعه إلى العرف والعادة فيما اعتاده الناس. فما يعده الناس كثيرًا بحيث
إذا رئى المصلى وهو يفعلها خيل للناظر أنه لا يصلى تبطل به الصلاة وإلا فلا، وذلك
بناء على العرف والعادة الجارية فتكون العادة محكمة. (عبد العزيز عزام 2005: 177)
الفرع الرابع: الهدية للقاضى.
منصب القضاء خطير وحساس ومحفوف بالمخاطر ولأصل أنه تحرم الهدية بالنسبة
للقاضى والحكام ولأمراء وأصحاب المصالح، لأن المقصود منها غالبًا التوصل لتحقيق
المصالح والجور فى الحكم بالنسبة للقضاة وحصول الخصوم على حقوق ليست حقا لهم. وقد
فصل الفقهاء فى حكم قبول الهدية للقاضى فقالوا: إنه إذا كانت الهدية من شخص اعتاد
أن يهدى للقاضى قبل التولية ثم أهدى له بعدها فلا شىء فيها لأنها معتادة والعادة محكمة
بشرط أن لا تزيد على ما اعتاده قبل التولية وإلا حرمت الهدية وحرم الإهداء ووجب
ردها لوجود التهمة مع الزيادة لأنها من أجل القضاء فلا تقبل.
وإذا لم تكن له عادة حرمت، لأنها رشوة مقنعة فى صورة الإهداء لأنه
إنما أهدى له للقضاء. نعم، إنه إذا أهدى إليه بعد التولية وليس المهدى فى محل
ولاية القاضى ... فإن كان له مصلحة حرمت وإلا فلا. وإذا كانت له عادة من قبل فى
الإهداء للقاضى ثم زاد فى مقدارها كمّا وكيفًا وجودة فإنها تحرم لوجود التهمة فى
زيادة الهدية لأنها غالبًا من أجل القضاء فلا تقبل، ويرى الطرابلسى أنه حتى مع عدم
الزيادة أنها لا تقبل منعًا للتهمة فلا يقبلها القاضى مطلقًا حتى لا يصدق عليه قول
القائل: إذا دخلت الهدية من الباب خرجت العدالة من الكوة. (عبد العزيز عزام 2005:
177-178)
الفرع الخامس: دخول الحمَّام ودور القضاء والولاة.
فالعرف يكون هو المتبع فى دخول الحمَّام فهناك فى بعض البلاد يكون بالإذن
وفى بعضها بالتعاقد، وفى بعضها يكون بعد استيفاء المنفعة وهذا لدخول الحمامات
بالأجرة ويكون العرف كذلك هو المتبع فى دخول دور القضاء والولاة وقد جرى العرف
الآن أن يكون الدخول بواسطة الحاجب عند الدخول على القاضى والوالى، فالمحكم فى
الدخول العرف. (عبد العزيز عزام 2005: 180)
الفرع السادس: قليل النجاسة وكثيرها.
إذا كانت النجاسة غير نجاسة الكلب والخنزير فيعفى عن قليلها دون
كثيرها. ومرجع القلة والكثيرًا العرف الجارى بين الناس، فما يعده الناس قليلا يعفى
عنه، وما يعدونه كثيراً لا يعفى عنه. مذهب الفقهاء في ذلك:
1-
ذهب
الإمام أبو حنيفة إلى أن قليل النجاسة معفو عنه وحدده بقدر الدرهم، وشذ محمد بن الحسن
فقال: إن كانت النجاسة ربع الثوب فما دونه جازت به الصلاة.
2-
وذهب
الإمام مالك إلى أن قليل النجاسات وكثيرها سواء إلا الدم، وإذا صلى وفى ثوبه روث
أو بول مالا يؤكل لحمه من الدواب أكثر من قدر الدرهم لم تخر صلاته. ولأصل عنده: أن
القليل من النجاسة فى الثوب لا يمنع جواز الصلاة.
3-
وذهب
الشافعى: إلى أنه إذا كانت النجاسة بحيث يقع بصره عليها يمنع جواز الصلاة، لأن
الطهارة من النجاسة العينية شرط جواز الصلاة، كالطهارة عن الحدث الحكمى فكما أن
الشرط ينعدم بالقليل من الحدث وكثيره، فكذلك ينعدم بالقليل من النجاسة. والقلة
مرجعها العرف. فالعادة محكمة. (عبد العزيز عزام 2001: 187)
الفرع السابع: الموالاة بين الخطبة والجمعة.
لا بد من الموالاة العرفية بين الخطبة والصلاة فى الجمعة بحيث لا يعد
فى نظر الناس أنه فصل بينهما بفاصل كبير، وإلا وجب أن يعيد الخطبة ثم الصلاة
فالمحكم هنا فى طول الفصل وقصره العرف والعادة فالعادة محكمة.
الفرع الثامن: البناء على الصلاة فى الجمع.
الموالاة بين الصلاتين معناها أن يصلى الثانية بعد الأولى بغير فاصل
يعد تأخيرا عرفا وإلا بطل الجمع وتصلى الثانية فى وقتها – فالحكم فى الموالاة يرجع
إلى العرف. وشرط الجمع عند الشافعية: النية والموالاة.
الفرع التاسع: الموالاة فى الوضوء.
الموالاة ركن عند المالكية، وسنة عند الشافعية. الموالاة طول الزمان
وقصره بالنسبة للموالاة فى الوضوء هو العرف وهذا هو الوجه الأول. والوجه الثانى:
ألا يجف العضو الأول قبل الشروع فى الثانى مع اعتدال الهوء والمزاج والزمان والمكان.
فإذا مضى بين العضوين زمن يجف فيه المغسول مع اعتدال الزمان وحال الشخص فهو تفريق
كثير وإلا فقليل. ومن ثم فلا اعتبار بتأخر الجفاف بسبب شدة البرد ولا بتسارعه لشدة
الحر، ولا بحال المبرود والمحموم، ويعتبر التفريق من آخر الفعل المأتى به من أفعال
الوضوء. والمدقق للنظر يجد أنهما منفقان فالثانى يرجع إلى الأول. (عبد العزيز عزام
2001: 188)
الفرع العاشر: الفصل بين
الإيجاب والقبول.
جميع صيغ العقود بشترط فيها ألا يفصل بين الإيجاب والقبول كلام أجنبى،
ولا سكوت طويل فإذا كان الفاصل طويلا عرفا بطل الإيجاب ولا بد من إيجاب جديد، فالمحكم
فى طول الفاصل وقصره العرف والعادة فتكون العادة محكمة. (عبد العزيز عزام 2001:
188)
6.0 العرف مرجع لتطبيق
الأحكام:
ويعتبر العرف أيضًا مرجعًا لتطبيق الأحكام على الحوادث والواقائع
الجزئية، من ذلك أن العدالة شرط لقبول الشهادة استدلالاً بقوله تعالى: (الطلاق
65: 2)، والعدالة عند الفقهاء: ملكة تحمل صاحبها على ملازمه التقوى والمروءة. فما
يخل بالمروءة يعتبر قادحًا بالعدالة، وما يخل بها يختلف باختلاف الزمان والمكان،
ومن ذلك ما ذكر الشاطبي إذ يقول: (( مثل كشف الرأس، فإنه يختلف بحسب البقاع في
الواقع، فهو لذوي المروءات فبيح في البلاد المشرقية، وغير فبيح في البلاد
المغربية، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحًا في العدالة،
وعند أهل المغرب غير قادح )). (عبد الكريم زيدان 1996: 257)
وكذلك عند تطبيق الحكم الوارد في النص القرآني: (البقرة 2: 233) يرجع إلى العرف لتقدير النفقه، لأن النص لم يبين
مقدارها. قال الإمام الجصاص في كتابه (( أحكام القرآن )) ما نصه: (( فإذا اشتطت المرأة
وطلبت من النفقة أكثر من المعتاد لمثلها، لم تعط . . وكذلك إن قصر الزوج عن مقدار
نفقة مثلها في العرف والعادة لم يحل ذلك ويجبر على نفقة مثلها )). وهكذا ما أوجبه
الشارع ولم يحدد مقداره، يصار إلى العرف لتقديره. (عبد الكريم زيدان 1996: 258)
7.0 تغير الأحكام بتغير
الأزمان.
الأحكام المبنية على العرف والعادة، تتغير إذا تغيرت العادة، وهذا هو
المقصود من قول الفقهاء: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، وفي هذا يقول الإمام
سهاب الدين القرافي: (( إن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت،
وتبطل معها إذا بطلت، كالنقود في المعاملات، والعيوب في الأعواض في البياعات ونحو
ذلك، فلو تغيرت العادة في النقد والسكة إلى سكة أخرى، لحمل الثمن في البيع على
السكة التي تجددت العادة بها دون ما قبلها. وكذلك إذا كان الشيء عيبًا في الثياب
في عادة رددنا به المبيع، فإذا تغيرت العادة وصار ذلك المكروه محبوبا موجبا لزيادة
الثمن لم ترد به. وبهذا القانون تعتبر جميع الأحكام المترتبة على العوائد، وهو
تحقيق مجمع عليه بين العلماء .. وعلى هذا القانون تراعى الفتاوي على طول الأيام،
فمهما تجدد العرف فاعتبره. ومهما سقط فأسقطه)).
وعلى هذا الأساس اختلفت الأحكام من ذلك ما ذهب إليه أبو حنيفة من
الاكتفاء بالعدالة الظاهرة، فلم يشترط تزكية الشهود فيما عدا الحدود والقصاص لغلبة
الصلاح على الناس وتعاملهم بالصدق، ولكن في زمان أبي يوسف ومحمد كثر الكذب، فصار
في الأخذ بظاهر العدالة مفسدة وضياع الحقوق، فقالا بلزوم تزكية الشهود. وقال
الفقهاء عن هذا الاختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه: إنه اختلاف عصر وزمان، لا اختلاف
حجة وبرهان. ومثله أيضًا: سقوط خيار الرؤية برؤية ظاهر البيت وبعض حجره، وهذا ما
أفتى به أئمة الحنفية لأن الحجر كانت تبنى على نمط واحد، ولكن لما تغيرت عادة
الناس في البناء أفتى متأخروهم بعدم سقوط خيار الرؤية إلا برؤية جميع حجر البيت.
ومثله أيضًا: أخذ الأجرة على تعليم القرآن على ما أفتى به متأخرو الفقهاء، لأن
العادة قد تبدلت، إذ كان الأمر في السابق تخصيص العطاء لهؤلاء المعلمين من بيت
المال، فلما انقطع، أفتى المتأخرون بجواز أخذ الأجرة لئلا يهجر القرآن ويندرس.
ومثله: أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من
شعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط، وهذه كانت غالب أقواتهم في المدينة، فإذ
تبدلت الأقوات أعطي الصاع من الأقوات الجديدة.
وهذه التغير في الأحكام لا يتناول لا الأحكام المبنية على العرف كما قلنا،
فلا يتناول الأحكام القطعية التى جاءت بها الشريعة. كما أن هذا التعير لا يعد
نسخًا للشريعة، لأن الحكم باق، وإنما لم تتوافر له شروط التطبيق، فطبق غيره. يوضحه
أن العادة إذا تغيرت، فمعنى ذلك: أن حالة جديدة قد طرأت تستلزم تطبيق حكم آخر، أو
أن الحكم الأصلي باق ولكن تغير العادة استلزم توافر شروط معينة لتطبيقه، فالشرط في
الشهود العدالة، والعدالة الظاهرة كانت كافية لتحققها، فلما كثر الكذب استلزم هذا
الشرط التزكية. وفي هذا يقول الشاطبي: ((
معنى الاختلاف: أن العوائد إذا اختلفت رجعت كل عادة إلى أصل شرعي، يحكم به عليها
)). (عبد الكريم زيدان 1996: 258-259)
8.0 القواعد
المندرجة
8.1 القاعدة
الأولى: استعمال الناس حجة يجب العمل بها
هذه القاعدة بمعنى القاعدة الكبرى- العادة محكمة- وهي شاملة للعرف
اللمى والعرف القولى:
العرف العلمى:
أما العرف العلمى فهو اعتياد الناس على شىء من الأفعال العادية أو التصرفات
المنشئة للالتزامات، كاعتياد الناس تعطيل بعض الأيام من كل أسبوع عن العمل،
وكاعتيادهم- عند بيع الأشياء الثقيلة- أن تكون حمولتها إلى بيت المشترى على
البائع. وتقسط أجور العقارات السنوية إلى أقساط معدودة. وتعارفهم في الأنكحة تعجيل
الباقي إلى ما بعد الوفاة أو الطلاق. فهذه التصرفات وغيرها تكون محكومة بالعرف
العلمى. وبناء على هذا، فلو وكل زيد بكرا بأن يشترى له خبزا أو لحما، وكان من عادة
الناس فى تلك البلدة أكل خبزا خاص ولحم خاص، فليس للوكيل أن يشترى للموكل خبزا من
نوع آخر أو لحما من غير ما اعتادوه، اعتمادا على إطلاق الموكل لأن العرف هنا يخصص
هذا الإطلاق، فيسمى عرفا عاما مخصصا.
العرف القولى:
وأما العرف القولى: فهو اصطلاح جماعة على لفظ يستعملونه فى معنى مخصص
حتى يتبادر معناه إلى ذهن أحدهما بمجرد سماعه. وهذا العرف يسمى عند الحنفية
والشافعية عرفا مخصصا، فلو قال شخص لآخر في مصر اشتر لي سيارة بخمسة آلاف فإنه
يلزم الوكيل أن يشترى بالجنيه المصرى لأنه المتعارف هنا عند الإطلاق وايس له أن
يشترى بعملة بلد من الأقطار العربية أو الأوربية.
معنى القاعدة:
معنى هذه القاعدة أن عادة الناس حجة يجب العمل بموجبها إذا لم تكن
مخالفة للشرع لأنه يستحل تواطؤهم على الكذب والضلال لكثرتهم واختلاف أقطارهم. ولكن
لا مانع من تبدل الحكم المبنى على الاجتهاد والرأى، إذا تبدل العرف وكان الاستمرار
على الحكم السابق فيه مشقة تصيب العباد، ومن ذلك عدم الاكتفاء بظاهر العدالة في
الشهادة الآن فعلى الحاكم أن يتحقق من عدالة الشهود مع أن ذلك مخالف لما نص عليه
أبو حنيفة-رحمه الله-من الاكتفاء بظاهر العدالة بناء على ما كان في زمنه من غلبة
العدالة، ولكن أبا يوسف ومحمدا نصا على أنه لا يكتفى بذلك الظاهر لفشو الكذب في
زمانهما. ومن ذلك تضمين الساعى بالنميمة مع مخالفة ذلك لقاعدة الضمان على المباشر
دون المتسبب ولكن لكثرة السعاة المفسدين أفتوا بتضمينه.
ومن فروع هذه القاعدة:
1-
أنه
إذا استعان شخص بآخر على شراء عقار أو منقول وبعد وقوع البيع والشراء طلب أجرة
فينظر إلى تعامل أهل السوق فإذا كان معتادا في مثل هذه الحال استحق أجرة المثل.
2-
ويحكم
بوقف الكتب الشرعية والعلمية والمصاحف الشريفة ويكون الوقف صحيحا إذا تعورف في
بلدة وقف المنقول مع أن وقف المنقول في الأصل غير صحيح. (عبد العزيز عزام 2001:
193-202)
8.2 القاعدة الثانية
والثالثة
(( إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت)) ((العبرة للغالب الشائع لا
للنادر))
وهاتان القاعدتان تعبران عن بعض شرائط العرف فلكلى تعتبر العرف صحيحا
اشترط فيه: الاطراد والغلبة والشيوع.
معانى المفردات:
المراد من اطراد العرف أن يكون العمل به مستمرا بحيث لا يتخلف في جميع
الأوقات والحوادث، وقد يعبر عن الاطراد بالعموم. قال السيوطي : (( إنما تعتبر
العادة إذا اطردت، فإن اضطربت فلا.. قال إمام الحرمين في باب الأصول والثمار: كل
ما يصح في اطراد العادة فهو المحكم ومضمره كالمذكور)). وقال ابن نجيم: (( إنما
تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت. ولذا قالوا: في البيع لو باع بدراهم أو
دنانير وكانا في بلد اختلف فيه لنقود مع
الاختلاف في المالية والرواج انصرف البيع إلى الأغلب. قال في الهداية : لأنه
المتعارف فينصرف إليه)).
وأما الغلبة فمعناها: أن يكون العمل بالعرف كثيرا ولا يختلف إلا
قليلا. لذلك قال الفقهاء: إن العادة المطردة في ناحية تنزل منزلة الشرط كما تنزل
منزلة صريح الأقوال في النطق بالأمر المتعارف، وقد فرع الفقهاء على ذلك بأن
التوكيل في البيع المطلق يتقيد بثمن المثل وغالب نقد البلد الذي فيه البيع تنزيلا
للغلبة منزلة النطق به صريحا، فلو اضطربت العادة في البلد وجب البيان وإلا بطل
البيع.
فالمراد من الغلبة هنا أن يكون جريان أهله عليه حاصلا في أكثر الحوادث
أو عند أغلب الناس. والمراد من الشيوع هنا اشتهار العمل بذلك العرف وانتشاره بين
الناس، وإذا كان العرف الخاص لإعتداد به في الأصح في تخصيص النص أو الأثر، فأولى
بذلك العرف النادر استعماله. وأما إذا تساوى عمل الناس وعدمه بالعادة أو العرف
فيسمى حينئذ عرفا مشتركا. والعرف المشترك لا يصلح مستندا ودليلا للرجوع إليه في
تحديد الحقوق والواجبات المطلقة.
وقد ضرب الفقهاء مثلا للعرف المشترك فقالوا: إذا جرى عرف في البلد
الذي حدث فيه الزواج بأن جهاز الأب يتجهيز ابنته من ماله وزفت بهذا الجهاز إلى
زوجها ثم حدث نزاع بينهما واختلفا في أن الجهاز عارية أو هدية، فادعى الأب أنه
عارية لتسنى له الرجوع عليها واسترداده منها وطالبها برده إليه، وأنكرت هي ذلك
وادعت أنه هبة وتمليك، فإنه لا يملك حق الرجوع عليها، لأن من موانع الرجوع في
الهبة القرابة المحرمية ولم يكن لأحدهما بينة على دعواه، لم يصلح هذا العرف
المشترك دليلا مرجحا لدعوى أحد الخصمين لتعارض العرفين حيث لا مرجح لأحدهما على الآخر لتساويهما، وحينئذ يكون القول للأب بيمينه فيحكم له بدواه. وإذا كان أحد العرفين
غالبا عمل به ولم يلتفت إلى الآخر ويكون القول لمن يشهد له العرف الغالب بيمينه
فيحكم له بدعواه إذ لا تعارض حينئذ بين العرفين لعدم تساويهما وترجح أحدهما على
الآخر فيعمل به.
ومن تتبع كلام الفقهاء فيما فرعوه من مسائل فقهية مبنية على العرف نجد
أنهم قد نظروا إلى العرف العام والعرف الخاص باعتبار أن لكم منهما موضعه ومجاله
المعتبر فيه، ولذا جاء حديثهم عن شرط العموم بصيغة الاستفهام، فقد قال ابن نجيم.
والدليل على اعتبار العرف الخاص، أن الفقهاء قالوا فيما يدخل في بيع
الدور تبعا ومالا يدخل : إن السلم المنفصل لا يدخل في بيع البيت إلا في عرف أهل
القاهرة لأن بيوتهم طبقات لا ينتفع بها إلا به. والذي استظهره السيوطى وصححه هو أن
العادة المطردة في ناحية أو بلد تنزل منزلة العرف العام، فيعتبر كذلك في شأن أهله
الذين تعارفوه وذلك إذا اشتهر ولم يضطرب. وعلى ذلك فلو أقر بدارهم مطلقة في بلد
دراهمه ناقصة في الأصح وماذلك إلا لأن العرف الخاص يؤثر في تصرفات الذين تعارفوه
من إقرار وغيره.
9.0 تعارض العرف مع الشرع
العرف لا يكون معتبرا في التشريع إذا خالف النص الشرعي. ولذا كان شروط
اعتباره في التشريع ألا يخالف نصا شرعيا. ومعنى عدم مخالفة العرف للنص الشرعي: ألا
يكون ما تعارف عليه الناس مخالفا للأحكام الشرعية المنصوص عليها فإن كان مخالفا
فلا اعتبار له. كما لو تعارف الناس شرب الخمر ولعب الميسر وخروج النساء كاشفات عن
بعض أجسامهن مما يجب ستره شرعا وغيره فإن هذا العرف غير معتبر فيحكم عليه بالبطلان
وعدم الاعتبار لمخالفته للنص الشرعي.
وإذا كان العرف بهذا الضعف والنص أقوى منه فلا خلاف في رد العرف وتركه
إذا كان يلزم من العمل به إبطال النص الشرعي أو تعطيله، وفي ذلك يقول السرخسي: وكل
عرف ورد بخلاف الشرع فهو غير معتبر. وهذا إذا كان العرف مبطلا للنص الشرعي من كل
الوجوه. فإذا كان عاما ويقيده إذا كان مطلقا، فليس في هذا ترك للنص بل فيه إعمال
لهما بقدر الإمكان فيحمل النص على حالة خاصة ويعمل بالعرف فيما عداهما وإن خالف
القياس لأن العرف مقدم على القياس ورعايته أولى.
ولتوضيح ذلك نقول: إن النبي صلى
الله عليه وسلام نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ولا يملكه وجاء في ذلك قوله صلى
الله عليه وسلام لحكيم بن حزام: (( لا تبع ما ليس عندك)). فإن هذا النص عام ومع
ذلك قال الفقهاء: يجوز الاستصناع للتعامل الجاري به بين الناس من عهد الصحابة
والتابعين وغيرهم من غير نكير من أن النص بيشمله إذ يصدق على الاستصناع أنه بيع ما
ليس عند الإنسان فيكون منهيا عنه بالنص، ولكن لم يلزم منه إبطال النص والقضاء
عليه، بل عمل بالنص والعرف معا فعمل بالعرف في الاستصناع أنه بيع ما ليس عند
الإنسان فيكون منهيا عنه بالنص، ولكن لم يلزم منه إبطال النص والقضاء عليه، بل عمل
بالنص والعرف معا فعمل بالعرف في الاستصناع وبالنص فيما عداه فلم يترك النص بالعرف
كليا.
10.0 تعارض العرف مع الشرع ولم
يتعلق به حكم
إذا تعارض العرف مع الشرع ولم يتعلق بالشرع حكم وتكليف قدم عرف
الاستعمال على الدليل الشرعي.
1- فلو حلف شخص ألا يأكل لحما لم يحنث إذا أكل سمكا، وإن كان قد سماه
الله لحما في قوله تعالى: (سورة النحل : 14) وذلك لأن الشارع حين سماه لحما لم يتعلق بالتسمية
حكم، فالتسمية هنا عارية عن الحكم، والعرف لا يسمى السمك لحما. فالعرف حينئذ
متعارض مع تسمية القرآن السمك لحما فيقدم العرف حينئذ فلا يحنث.
2- ولو حلف لا يجلس على بساط أو تحت سقف أو في ضوء سراج. لم يحنث
بالجلوس على الأرض وإن سماها الله بساطا في قوله تعالى:(سورة نوح : 19)
ولا في الشمس وإن سماها الله سراجا في قوله تعالى : (سورة نوح : 16)
3- ولو حلف إنسان أنه لا يضع رأسه على وتد لم يحنث بوضعها على جبل وإن
كان الله قد سمى الجبل أوتادا في قوله تعالى : (سورة النبأ : 7) لأن
الشرع حينما سمى الجبال وتدا لم يتعلق بالتسمية حكما فالتسمية عارية عن الحكم.
والعرف لا يسمى الجبال أوتادا فيقدم العرف في كل ذلك لأن التسمية استعملت في الشرع
ولم يتعلق بها حكم وتكليف ومن ثم ندرك أن العادة محكمة.
11.0 تعارض العرف مع الشرع
وتعلق به حكم
أما لو تعارض العرف مع الشرع وتعلق به حكم فيقدم الشرع على عرف
الاستعمال.
1-
فإذا
قال شخص ولله لا أنكح وعقد ووطأ فيكون حانثا والحنث مترتب على العقد لأن النكاح
حقيقة شرعية فيه ولا يحنث بالوطء لأنه مجاز فيه عند الشفعية وأما الحنفية فالنكاح
عندهم حقيقة في الوطء مجاز في العقد فيكون الحكم عندهم بعكس الشافعية وهذا في غير
المتزوج أما المتزوج فيحمل كلامه على الوطء.
2-
وكذلك
لو حلف لا يصلي لم يحنث إلا بذات الركوع والسجود، لأن الصلاة تحمل على المعنى
الشرعي وهو عبارة عن أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة.
وذلك لأنه قد تعلق بالصلاة حكم شرعي وهو أن الله قد فرض خمس صلوات فلا يحنث إلا
بمطلق الإمساك فيما لو حلف لا يصوم بل يحنث بحقيقة الصوم الشرعية وهي الإمساك عن
الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لأن الصوم تعلق به حكم شرعي فلا يحنث
إلا به.
3-
ومن
ذلك لو قال لزوجته إن رأيت الهلال فأنت طالق فرآه غيرها وعلمت به طلقت حملا له على
الشرع فإن الرؤية فيه بمعنى العلم لقوله صلى الله عليه وسلام: (( إذا رأيتموه
فصوموا)). أي الهلال وذلك لأن الؤية في الشرع علمية بمعنى العلم وليس بصرية فيقدم
عرف الشرع لأن هذا هو المعتبر.
12.0 تعارض العرف مع الشرع في العموم
والخصوص
وإذا كان اللفظ في العرف يقتضي العموم وفي الشرع يقتضي الخصوص اعتبر
خصوص الشرع في الأصح.
1-
فلو
حلف لا يأكل لحما لم يحنث بأكل الميتة، فمدلول اللحم عام يتناول كل لحم أكل و لم
يؤكل. ولكن الشرع يخصصه بالمأكول لأن المذكي يحل أكله بخلاف غير المذكى فيخصص
الشرع عموم اللفظ ويقدم على العرف اللغوي. ومقابل الأصح يقول بالحنث أخذا من عموم
اللفظ فيقدم على خصوص الشرع لأن دلالة التخصيص لا يفهمها إلا المتخصصون فيكون
الحنث مطلقا.
2-
ولو
أوصى لأقاربه لم تدخل ورثته عملا بتخصيص الشرع إذ لا وصية لوارث فيخصص الشرع عموم
اللفظ ويقدم مدلول الشرع على العرف اللغوي . فلا يستحق القريب الوارث من الوصية
شيئا. لما روى عن أبي أمامة قال: (( سمعت
رسول الله، يقول: (( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث))[1].
ووجه الدلالة أن الوصية لوارث لا تصح أصلا وهو الظاهر لأن النفي يتوجه إلى الذات
هو الصحة ولا يصح أن يتوجه إلى الكمال الذي هو أبعد المجازين وقد قيل: إن آية
الوصية للوالدين والأقربين أعم من أن يكونوا وارثين أو لا فكانت الوصية واجبة
لجميعهم، وخص منها الوارث بآية الفرائض وبأحاديث الوصية وبقى حق من لا يرث من
الأقربين من الوصية على حاله.
13.0 خاتمة
مما يعلم من دين الإسلام ضرورة: أن الشريعة
جاءت لجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها؛ لذا استنبط أهل العلم قواعد
كلية من النصوص والمقاصد الشرعية تعمل على رفع الحرج عن المكلف، كقاعدة: العادة
محكمة، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، والاجتهاد لا ينقض بمثله، فهذه القواعد يجد
المتأمل فيها اهتماماً بمصلحة المكلف ورفع العنت والمشقة عنه، لكن بشرط ألا تصادم
نصوصاً شرعية صحيحة صريحة؛ لأنه لا اعتبار لهذه القواعد إلا إذا أيدتها النصوص،
وإلا فهي مردودة على أصحابها.
[1] أخرجه
النسائي وإبن ماجة
المراجع
عبد الكريم زيدان. 1996. الوجيز في اصول الفقه. الطبعة
الخامسة. بيروت: مؤسسة الرسالة.
عبد العزيز عزام. 2005. القواعد الفقهية. القاهرة: دار الحديث.
عبد العزيز عزام. 2001. المقاصد الشريعة في القواعد الفقهية.الجامعة
الأزهر: دار البيان للطباعة والنشر.
0 comments:
Post a Comment